منازل مشرقة، وأشخاص حيويين، ومناظر طبيعية خلابة — هكذا ترى الفنانة الفلسطينية روان عناني، من الفنانين من البيرة، وطنها. بالنسبه لروان، بغض النظر عما يحدث، لا يزال كل شيء مشرقًا، حيويًا، ومليئًا بالجمال. من خلال فنها، تعيد إحياء جوهر وطنها، ملتقطة حيويته وروحه. لكن لماذا تختار تصويره بهذه الطريقة؟ إليكم قصتها.
— مرحبا روان! أنت من مدينة البيرة في رام الله. هل يمكنك أن تخبرينا المزيد عن طفولتك؟ حتى عن المنزل الذي نشأت فيه؟
— قضيت طفولتي في مدينة البيرة، وكانت فترة جميلة وبريئة من حياتي أعتز بها بشدة. كنا نلعب كثيرًا في الخارج مع أطفال الجيران، وكنت أقضي ساعات في الاستمتاع بهوايتي المفضلة — ركوب دراجتي حول المنزل. كان والدي يأخذنا غالبًا في نزهات إلى الجبال لقطف الزعتر، الذي كانت والدتي تستخدمه لصنع بيتزا منزلية لذيذة.
خلال الانتفاضة، كان الناس يجتمعون كل يوم في منزلنا، يتشاركون الوجبات التي أعدتها والدتي والجيران بكل حب. أذكر بوضوح والدي وهو يلعب الشطرنج في كل مساء مع الجيران في استوديوه. عندما أغلقت المدارس خلال الانتفاضة، اجتمع الجيران وفتحوا مدرسة في أحد المنازل الفارغة في الحي.
كانت والدتي وبعض الجيران يدرسون الأطفال المواد الأساسية، بينما قرر البعض الآخر زراعة الخضروات في قطعة أرض قريبة لتشارك الحي. كنا نروي النباتات معًا، وتظل تلك الأيام من أجمل ذكرياتي في طفولتي.
كنت أحب أيضًا قضاء الوقت في استوديو والدي، أرسم وأشاهده يعمل على مشاريعه الفنية. كنا نتابع عمليته الإبداعية يومًا بيوم، وترك ذلك انطباعًا دائمًا في نفسي.
نساء رام الله (2024) للفنانة روان عناني
— لقد قلتِ، "لم أحلم أبدًا بأن أكون فنانة؛ درست شيئًا آخر وعملت لفترة." ماذا درستِ؟ وأين عملتِ؟
— في الحقيقة لم أدرس الفن. درست إدارة المكاتب في مركز تدريب النساء برام الله لمدة عامين؛ ثم عملت في منظمة تسمى PECDAR. أحببت عملي كثيرًا، حيث كنت السكرتيرة الخاصة لمدير المنظمة في ذلك الوقت، الدكتور محمد اشتية.
— والدك فنان أيضًا، وهو من ساعدك على البدء في الفن، أليس كذلك؟ هل يمكنك إخبارنا المزيد عنه؟
— والدي فنان فلسطيني معروف بأسلوبه الجميل والمتميز الذي يدمج العديد من المواد في لوحاته. يرسم على الجلد والقماش، باستخدام الألوان الزيتية والأكريليكية، وغالبًا ما يضيف عناصر فريدة مثل النحاس والخشب والتوابل والقش ومواد أخرى إلى أعماله.
تركز فنونه على التراث الفلسطيني والنساء، وكانت أكبر تأثير على رحلتي الفنية الخاصة.
تابعت عمله منذ صغري، أشاهده وهو يرسم وأتعلم منه. كان دائمًا يشجعني على الرسم، موفرًا لي ولإخوتي كل ما نحتاجه — الألوان، والورق، وأدوات أخرى. خلال عطلات الصيف، كان يأخذني إلى ورش عمل فنية للأطفال لمساعدتي على تطوير مهاراتي في هذا المجال.
كان استوديوه، الذي هو جزء من منزلنا، دائمًا مكاني المفضل — ولا يزال. فهو مليء بكل لون يمكنك تخيله، بالإضافة إلى أدوات الرسم، والفرش، وحتى فرن كبير للفخار والسيراميك. تُعلّق لوحاته في جميع أنحاء الجدران، مما يخلق مساحة جميلة وهادئة.
روان مع والديها. الصورة: أرشيف روان الشخصي
— والدتك أيضًا فنانة. هل يمكنك إخبارنا المزيد عنها وبخصوص لوحاتها؟
— والدتي، رحمها الله، كانت تحب الفن بعمق. كانت تُعلِّم الفن لطلاب المدارس الابتدائية في مدارس الأونروا، وأدخلت لمستها الفنية إلى منزلنا. كانت هي من تختار لوحات والدي وتعلقها في البيت.
قبل زواجها، كانت ترسم أيضًا، وبعض من أعمالها لا تزال في منزل عمي في قلقيلية. بعد الزواج، توقفت عن الرسم للتركيز على رعاية الأسرة، لكنها دائمًا كانت الشخص الذي يشجعني على مواصلة الرسم.
— إذاً، ذكرت أن فن والدك له تأثير كبير على عملك. هل يمكنك توضيح ذلك؟
— نعم، أعتبر أن أعمال والدي كانت لها أكبر تأثير في دخولي إلى مجال الفن. كانت والدتي دائمًا مشجعة جدًا، وتقدم لي ملاحظات عندما كنت في البداية. عندما قررت أن أبدأ الرسم، كنت أخلق لوحة ثم أرسل صورة لها إلى والدي لأسمع رأيه. توجيهاته ساعدتني على تحسين مهاراتي وتعليم المزيد عن هذه الحرفة.
عندما كنت أصغر سنًا، كنت أقلد رسومات والدي، وكثيرًا ما كنت أرسم نساء يحملن الأواني على رؤوسهن.
العناصر الفنية في لوحاتي الحالية مشابهة جدًا لتلك في أعمال والدي، لكنها تعكس أسلوبي وهويتي الخاصة. بينما تبقى العناصر نفسها، أفتخر بأنني طورت هويتي الفنية مستوحاة من فنه.
— هل تتذكر أول عمل فني شعرت بالفخر تجاهه؟
— كانت لوحة أكريليك على قماش — مشهد طبيعي featuring أشجار اللوز في الربيع. كانت المناظر خلابة، إذ كانت درجات الأخضر والأبيض تلتقط زهور اللوز وألوان الأزرق تمثل السماء والبحر. كانت قطعة كبيرة، قياس متر بمتر ونصف. أحببت هذه اللوحة كثيرًا وشعرت بفخر هائل لإنهائها. لقد استغرق الأمر الكثير من الوقت والجهد، لكن النتيجة تجاوزت توقعاتي. تلك اللوحة موجودة الآن في منزل في نيويورك.
— المدن المشرقة في فلسطين التي ترسمها مذهلة تمامًا. هل تتذكر اللحظة التي قررت فيها بدء رحلتك الفنية برسم المدن؟ لماذا اخترت المدن؟
— أردت أن أركز عملي على المدن الفلسطينية لأنني أقدر بعمق المباني والبيوت الفلسطينية المميزة، الغنية بالعمارة الجميلة والأصالة. بالإضافة إلى ذلك، لاحظت وجود فجوة في الفن الفلسطيني — حيث لا توجد العديد من الأعمال التي تبرز مدننا. أردت أن أظهر للعالم جمال هذه المدن وعناصرها الشهيرة، مثل الأشجار المثمرة والمناظر الطبيعية الفريدة.
كما تعلم، هناك جيل من الفلسطينيين الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم ولم تتاح لهم الفرصة لزيارة مدننا. من خلال لوحاتي، أهدف إلى التقاط جوهر هذه المدن والحفاظ عليه، لضمان بقاءها حية في عقولنا وذكرياتنا إلى الأبد.
— بدأت رحلتك الفنية في عام 2013 — قبل 12 عامًا. هل يمكنك تقسيم رحلتك إلى فترات مختلفة؟ كيف يمكنك وصف كل منها؟
— بدأت الرسم في عام 2013، بدءًا بالقماش كوسيلة. في تلك المرحلة، كنت أبحث عن هويتي الفنية. أنشأت العديد من اللوحات على القماش، بعضها يمثل التراث الفلسطيني والبعض الآخر يستكشف الأنماط التجريدية. كنت مصممة على ألا أستسلم وأصريت على تطوير هوية فريدة. كانت تلك الفترة حول تشكيل شخصيتي الفنية.
في النهاية، قررت أن أجرب الرسم على الورق. أنشأت لوحات على الورق التي تشبه وجوه بيكاسو المتداخلة، وقد أحببت استخدام الألوان المائية — فقد أسرتني ألوانها الزاهية والجميلة. اخترت التركيز على الألوان المائية بدلاً من الأكريليك وانتقلت بالكامل للرسم على الورق. شعرت في هذا الوسط كأنني في بيتي.
في تلك المرحلة، قررت أن أركز عملي على التراث الفلسطيني، ثم وسعت نطاقي ليشمل المدن والنساء الفلسطينيات. بحلول عام 2016، كانت هويتي الفنية قد تجسدت، واعتزمت على رسم المدن والنساء الفلسطينيات، وهو التركيز الذي يستمر حتى اليوم. مع مرور الوقت، تطور أسلوبي، حيث يتضمن لمسات وأفكار فنية جديدة تعزز عملي.
— أي لوحة هي الأكثر تميزًا بالنسبة لك؟ ولماذا؟
— أكثر لوحاتي تميزًا هي واحدة أنشأتها عن غزة خلال الحرب. تُسمى الأذرع الفارغة, وتمثل الأمهات الفلسطينيات اللواتي فقدن أطفالهن. صورت الأذرع الفارغة لنقل الألم العميق لفقدان أغلى أحبائهم — أطفالهن. كانت هذه اللوحة مؤثرة للغاية، ليس فقط بالنسبة لي ولكن أيضًا لمتابعيني.
الأذرع الفارغة (2023) من روان عناني
— أنت معروفة باستخدام الألوان الدافئة والمشرقة التي تأسر العين. هل لديك أي لوحات أخرى مختلفة تمامًا — لم تعرّضيها للعالم؟
— أعتقد أن اللوحات التي أنشأتها في بداية رحلتي — لوحات على القماش. لم أنشرها؛ كانت تتعلق بالخيول والطبيعة. أعطيت بعض هذه اللوحات كهدية لأصدقائي، بينما علّقت البعض الآخر في منزلي. عندما تكون في بداية مشوارك، تجرب رسم مواضيع مختلفة، ومن خلال هذه العملية تبدأ في اكتشاف نفسك كفنانة.
— أعلم أنك سُئلتِ هذا السؤال، لكن دعينا نوضح لجمهورنا: لماذا لا تمتلك النساء في لوحاتك أي وجوه؟
— أنا لا أرسم ملامح وجه النساء لأن هذه ببساطة هي الأسلوب الفني الذي يميزني عن العديد من الفنانات. إذا أضفت العيون والأنوف، فلن يتم التعرف على هذا الأسلوب. هذه هي هويتي الفنية التي أنشأتها لنفسي وأنا فخورة بها.
— كيف تصفين فنك في ثلاث كلمات؟
لبنان (2024) من روان عناني
— انتقلتِ إلى بيروت ثم إلى كندا، حيث تعيشين حاليًا. متى ولماذا قررتِ القيام بتلك الانتقالات؟ وهل هناك انتقالات أخرى أو أماكن عشتِ فيها قد لا نعرف عنها؟ إذا كان الأمر كذلك، نود أن نسمع عنها.
— عندما تزوجت، هاجرت أنا وزوجي إلى كندا. عشنا هناك أكثر من خمس سنوات. ثم حصل زوجي على فرصة عمل في السعودية وانتقلنا إلى هناك. عشنا هناك أكثر من 11 عامًا وأنجبنا أطفالًا. قررنا العودة إلى كندا للإستقرار مع أطفالنا. زوجي لبناني، لذا نقوم بزيارة لبنان بين الحين والآخر.
— لقد رسمتِ بيروت أيضًا، صحيح؟
— نعم، لقد رسمت بيروت في عدة مناسبات، على الرغم من أنها كانت مرتبطة بأحداث حزينة. بعد انفجار الميناء، رسمت لبنان، ومؤخراً، رسمت بيروت مرة أخرى عندما اندلعت الحرب. طلب مني بعض متابعيني اللبنانيين أيضًا إنشاء قطع فنية مخصصة عن لبنان.
— هل يمكنك إخباري المزيد عن هذه اللوحة، أمي؟
— "أشتاق لخبز أمي، قهوة أمي، لمسة أمي" هو اسم اللوحة، المستوحاة من بيت في قصيدة محمود درويش "أشتاق لخبز أمي". تعبر القصيدة بشكل جميل عن شوقه لأمه وبراءة طفولته.
أردت تجسيد هذه القصيدة من خلال لوحتي، حيث تتردد كلماتها بعمق لدى الجميع وتحمل معنى إنساني عالمي وعميق. وعندما تسمعين المغني المدهش مارسيل خليفة يؤديها، لا يمكنك إلا أن تقع في حب كلماتها أكثر — إنها حقًا لا تُنسى.
— لديك ابنتان! كم عمرهما؟ هل ترغب أي منهما في أن تكون فنانة؟
— ابنتاي، سارة (16) وسلينا (13)، تحبان الرسم، ويمكنني بوضوح رؤية شغفهما في عملهما. أنا دائمًا أشجعهما، ويلاحظ والدي موهبتهما أيضًا — خاصة ابنتي الكبرى، التي تتمتع بإبداع مذهل في رسوماتها. هي تستمتع بخلق صور صغيرة وتعلقها بفخر في غرفتها.